مسجد مقاديشو الصومال - اصل تسمية مقاديشو !
مقديشو هي عاصمة الصومال الواقعة على الساحل الغربي للمحيط الهندي؛ تلك المدينة التي تجذب الأنظار، وتعانق المحيط الذي يحيطها من ثلاث جهات أقيمت على هذا المكان المتميز في وقت قديم يختلف المؤرخون حوله منذ ثلاثة قرون قبل الميلاد إلى وقت متزامن مع فجر الإسلام.
وكانت مقديشو على مر العصور مركزا تجاريا مهما، وملتقى لطرق الملاحة البحرية كموقع وسط بين شبه القارة الهندية وأوربا من جهة (قبل شق قناة السويس)، والجزيرة العربية والساحل الإفريقي من جهة أخرى.
وعلى الرغم من اختلاف المؤرخين حول المكان الأول الذي وضع فيه الحجر الأساس للمدينة القديمة؛ فإن معظم الروايات تلتقي بأن المدينة أسست تقريبا في القرن الثاني أو الثالث للميلاد، ولكنها اكتسبت أهمية كبيرة في فجر الإسلام لاعتناق أهلها الدين الإسلامي مبكرا، وهاجر إليها العرب والفرس بصورة مكثفة ابتداء من القرن الأول للهجرة.
وتقول بعض الروايات: إن مقديشو كانت عبارة في البداية عن ستة أحياء أو قرى ينفصل بعضها عن بعض، ويسكن في كل حي أو قرية منها مجموعة من القبائل يحكمها شيخ يتولى أمرها، وباتساع المدينة فيما بعد حدث ترابط بين السكان بحكم الامتداد العمراني؛ فتكون اتحاد يشبه الفيدرالية يحكمها مجلس من أعيان القبائل للنظر في أمور المدينة التي تحولت فيما بعد إلى ما يشبه السلطنة، وكان ذلك في القرن الرابع للميلاد.
تسمية مقديشو
وكما اختلف المؤرخون حول تحديد تاريخ إنشاء مقديشو اختلفوا أيضا في أصل تسميتها؛ فقيل: إن المدينة عرفت في أول الأمر باسم حَمَر بالإضافة إلى أسماء أخرى مماثلة مثل [حمر جب جب] (أي حَمَر المدمرة)، [وحمر عَدِي] (أي البيضاء)، ومن المحتمل أن يكون كل اسم من هذه الأسماء قد أطلق على المدينة القديمة لفترات مختلفة من الزمن كصفة للمدينة بناء على تطورها العمراني والسياسي عبر الزمن.
ويرجح بعض المؤرخين أن اسم حَمَر أقدم من التسميات الأخرى، لكنهم اختلفوا حول تفسيره؛ لأن الاسم أصبح اسما شعبيا دخل في الشعر والأمثال، ولا يزال الصوماليون يستخدمونه حتى الآن، ومعناها بالعربية [الحمراء]، وقد عرف هذا الاسم في العصور الوسطى، وذهب مؤرخون آخرون إلى أن أصل كلمة [حَمَر] مشتق من كلمة حِمْيَر، وهي اسم لدولة قديمة حكمت اليمن قبل الإسلام، وكانت تسيطر على تجارة سواحل إفريقيا الشرقية، ومنها مقديشو، ثم تناولته عوامل التحريف حتى استقر على شكله الحالي [حَمَر].
أما تسمية مقديشو فقد قيل إنها محرفة عن كلمة [مقعد شاه] (أي كرسي الملك)، إشارة إلى المكان المفضل الذي اتخذه الحاكم الفارسي مقرا له عندما حكم الفارسيون المدينة في أوائل القرن السادس الهجري، ثم أصبح ينطقها الصوماليون بـ مَقْدِيشُو (بضم الميم أو فتحها، وسكون القاف، وكسر الدال المهملة، وضم الشين المشبعة، وسكون الواو)، وبناء على هذا فكلمة مقديشو تتكون من مقطعين: أحدهما عربي (مقعد) والثاني فارسي (شاه).
وقد لا تعني هذه التسمية ارتباط إنشاء المدينة بالفرس؛ لأن بعض الكلمات الفارسية كانت شائعة في الجزيرة العربية وعلى ساحل الصومال منذ وقت قديم، ولم يظهر اسم مقديشو في التاريخ القديم للمدينة نفسها إلا في المراجع التي تعود إلى القرن السابع الهجري.
والحقيقة التي يشير إليها معظم المؤرخين هي أن الإسلام عرف طريقه إلى مقديشو وهي لم تشتهر بعد، ولم يكن لها هذا الظهور التاريخي إلا بعد أن اعتنق أهلها الدين الإسلامي الذي أعطى للسكان وللأرض أهمية كبرى؛ حيث أطلق اسم مقديشو على ساحل شرق إفريقيا كله التي تشمل زنجبار والصومال وجيبوتي.
وأصبحت المدينة منذ دخول الإسلام إليها في القرن الأول للهجرة من أعظم الحصون التي دافعت عن الوجود الإسلامي في إفريقيا، ويذهب بعض المؤرخين إلى أن الفضل في نشر الإسلام في مناطق كثيرة من شرق ووسط وجنوب إفريقيا يرجع إلى السكان الأصليين لمقديشو التي كانت تمتلئ بعلماء ورجال دين قادوا حركة نشر الإسلام في هذه المنطقة؛ حتى أصبح الدين الغالب في منطقة شرق إفريقيا.
تأسيس مقديشو
وقد اختلف المؤرخون حول تحديد تاريخ تأسيس مدينة مقديشو، وذهب عدد من المؤرخين الأوربيين إلى أن تأسيس المدينة كان في القرن السابع أو الثامن الميلادي، إلا أن كثيرا من الروايات الأخرى تشير إلى خلاف ذلك.
وقد ورد في كتاب [تاريخ مدينة باتا] (في ساحل شرق إفريقيا) الذي كتب باللغة السواحلية أن أول من أنشأ مدن ساحل إفريقيا الشرقية هو الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وكان ذلك عام 77هـ عندما سمع عن أخبار هذه المنطقة الممتازة، وكان يأمل في تأسيس مملكة جديدة فيها، فأرسل إلى هذه المنطقة رجالا سوريين، وهم الذين بنوا مدن [باتا] و[ماليندي] و[زنجبار] و[ممباسا] و[لامو] و[كِلْوَى]، كما أنه بدأ في إنشاء مدينة [مقديشو]، ومعنى اسمها [مدينة المنتهي].
وذكر المؤرخ الإيطالي [يدوا] أنه كانت توجد مدينة قوية مكان مدينة مقديشو الحالية إلى عصر ما قبل الإسلام، ويبدو أن المدينة الحالية قد أنشئت في عام 290هـ، وورد في كتاب [المن والسلوى في تاريخ كلوى] أنها أسست قبل تأسيس مدينة كَلْوَى بحوالي 70 سنة على يد رجال من أزد عمان الذين هاجروا إلى هذه المنطقة في أيام حكم عبد الملك بن مروان بسبب صراع بين القبائل هناك.
وكان هؤلاء المهاجرون بقيادة سليمان وسعيد الجُلْنَديين اللذين فرا إلى هذا الساحل عقب القضاء على ثورة علي زين العابدين في عهد هشام بن عبد الملك.
وقد اندمج هؤلاء المهاجرون في السكان الأصليين، وبنى أحفادهم مدينة [مقديشو] ومدينة كلوى، وأنشئت مدن متعددة حول مقديشو ولكنها كانت تفوقهم جميعا؛ إذ تركزت فيها معظم الحركة التجارية في شرق إفريقيا، وكانت لها السيادة السياسية على المدن التي تجاورها.
وتوضح الوثائق المحفوظة في المتحف الوطني في مقديشو والمحفوظات المتوارثة التي عند بعض العائلات وكذلك الآثار التي وجدت في المقابر والأماكن الأثرية.. أن مقديشو كانت مدينة كبيرة قبل فجر الإسلام. وقد عثر في إحدى المناطق القديمة في المدينة على شاهد من الحجر، كتب عليه أن صاحبة القبر المسماة [فاطمة بنت محمد عبد الصمد بنت ياقوت] توفيت سنة 111هـ، ومن الواضح أن فاطمة هذه قد عاشت في المدينة فترة من الزمن قبل هذا التاريخ.
وقد تم العثور أيضا على وثيقة تذكر نسب رجل يسمى [إسماعيل بن عمر بن محمد] ورد فيها أن هذا الرجل من بني عفان، وأنه نزل في مقديشو؛ أي هاجر إليها عام 149هـ.
وقد اشتهرت مقديشو بعد أن عرفت الإسلام، وتتابعت الهجرات العربية والفارسية إليها، ووصل هؤلاء المهاجرون على دفعات؛ لأن المدينة كانت ذات موقع تجاري مهم، وأقام المهاجرون فيها، وتاجروا مع أهلها، وتزوجوا منهم، واندمجوا في سكان البلاد. وبذلك أصبحت المدينة القديمة مركز إشعاع إسلاميا للمنطقة كلها وفي أدغال إفريقيا بشكل خاص.
ابن بطوطة يزور مقديشو
وقد وصف الرحالة العربي المسلم ابن بطوطة الذي زار مقديشو عام 1331م نظم الحكم والمجتمع والعادات والتقاليد لسكان المدينة، واحتفاءهم بالفقهاء والزوار وأهل العلم؛ حيث قال في رحلته المعروفة "تحفة النظار": "وصلنا إلى مقديشو وهي مدينة متناهية في الكبر"، ويواصل حديثه عن الاستقبال والحاوة التي لقيها: "إنه لما صعد الشبان المركب الذي كنت فيه جاء إليَّ بعضهم، فقال له أصحابي: هذا ليس بتاجر وإنما هو فقيه؛ فصاح بأصحابه، وقال لهم: نزيل القاضي! وقالو لي: إن العادة هي أن الفقيه أو الشريف أو الرجل الصالح لا ينزل حتى يرى السلطان، فذهبت معه إليه كما طلبوا..."، ثم يسرد ابن بطوطة ما حدث في حديث مطول عن كرم الضيافة الذي كانوا فيه عند أهالي مقديشو لمدة ثلاثة أيام.
ويقول ابن بطوطة: لما كان اليوم الرابع جاءني الأقاضي والطلبة وأحد وزراء الشيخ (السلطان) وأتوني بكسوة، وكسوتهم فوطة خِزّ يشدها الإنسان في وسطه وذراعه من المقطع المصري مغلقة وفرجية مبطنة وعمامة مصرية، كما أتوا لأصحابي بكساء، ثم أتينا الجامع، فسلمت على السلطان، ثم قال باللسان العربي: قدمت خير مقدم، وشرفت بلادنا، وآنستنا".
المآذن والمساجد في مقديشو
تشتهر مقديشو منذ إنشائها بمآذنها ومساجدها الضخمة التي يعبر البناء المعماري لها عن ذوق رفيع لسكان مقديشو؛ حيث استدعى الإقبال على التعاليم الإسلامية توفير مزيد من المراكز الإسلامية والزوايا، وعلى وجه الخصوص أيام توافد المشيخات الدينية في سواحل البنادر (السواحل الصومالية)؛ حيث كان الطلاب يقصدون مقديشو من أماكن متعددة من شرق إفريقيا لتلقي العلوم العقلية والنقلية على يد العلماء الجهابذة؛ ولذلك أصبح السلاطين الذين حكموا مقديشو يتسابقون في تشييد المساجد والزوايا والرُّبُط ومراكز العلم، وكانت حلق التفسير والحديث والتفسير والأدب والفقه بالإضافة إلى العلوم الروحية والصوفية سمة بارزة لمقديشو وسكانها، وكان السلاطين يحضرون هذه الحلقات بأنفسهم، فيجلسون أمام الشيوخ جنبا إلى جنب مع الطلبة.
وبناء على هذا ارتبطت كثرة المساجد بكثرة المعرفة والثقافة الإسلامية. ومن أهم المساجد الأثرية التي شيدت في مقديشو في مراحل مختلفة:
وقد بني هذا المسجد على طراز رفيع من المعمار الهندسي الإسلامي، وتزدان أعمدته الـ81 بنقوش من الآيات القرآنية وزخارف متنوعة.
وبعد تغير مجرى الرياح واصل سفره إلى بلاد اليمن. وتقول الرواية التاريخية: إن هذا المسجد بني في المكان الذي أقام فيه معاذ بن جبل ومرافقوه في تلك الفترة.
تتابع على حكم مقديشو عدد كبير من الدول والسلطنات، أسس بعضها المهاجرون العرب والفارسيون، والبعض الآخر كان تابعا للخلافة الإسلامية، كما كان بعض هذه الدول تابعا لسلطنات قبلية صومالية إضافة إلى الاحتلال البرتغالي والإيطالي. وأهم هذه الدول والسلطنات.
وفي بداية الخمسينيات أصبحت مقديشو تتمتع بإدارة محلية صومالية بعد وضع الصومال تحت الوصاية الدولية في الفترة ما بين 1950-1960؛ حيث أصبحت عاصمة الصومال منذ الاستقلال في يونيو عام 1960.